رد أبي سعيد على متى بن يونسـ، في عبارات قليلة مترابطة فيما يشبه "المتن"، ثم صغنا بعقبها رد عبد القاهر على المعتزلة الذين كان يمثلهم أبو هاشم الجبائي، وعبد الجبار، وابن سنان، في عبارات أخرى قليلة مترابطة، فيما يشبه الشرح لهذا المتن!
وإن شئت المزيد - وبعبارة أوجز من تلك التي أسلفناها - فإليك رد أبي سعيد في عبارة موجزة ورد عبد القاهر - في عبارة أخرى موجزة - لترى كيف أن كلام أبي سعيد قد بدأ ببيان الحاجة إلى النحو، وانتهى بأن اتباع متى بن يونس للمنطق لم يحمه من أن يعتقد أن الله ثالث ثلاثة، وأن رد عبد القاهر قد بدأ ببيان الحاجة إلى النحو، وانتهى بأن الجهل به يؤدي بصاحبه إذا تناول تفسير القرآن أو تأويله إلى أن تزل قدمه في تأويل مثل قوله تعالى:"ولا تقولوا: ثلاثة".
فكأن أبا سعيد قال لمتى بن يونس: إنه لا غنى لك عن النحو، لأنه مفتاح نظم الكلام، وبه تدرك المعاني الكامنة في النفس، إذ ليس بالمنطق وحدة تعرف المعاني، ومعاني النحو نعرفها من توخيها بين الكلم إذ معنى أن تكون نحوياً لغوياً فصيحاً: أن تقدر اللفظ على المعنى إذا أردت الحقيقة، وإن أردت اتساع المعنى، فعليك بالروادف، والأشباه والاستعارات، وبذلك تعرف نظرية أخرى في الكلام وهي: نظرية البيان التي يشتمل عليها النظم الذي يشبه النسج للثوب؛ في أن كلا منهما يحتاج إلى إعمال الفكر، وإمعان النظر؛ ولأنك قد حدت عن طريق النحو فإن المنطق لم يمنعك من أن تعتقد أن الله ثالث ثلاثة!
وكأن عبد القاهر يقول: إنه لا غنى لكم على النحو، لأنه أساس معرفة النظم الذي به كان إعجاز القرآن، وما النظم إلا (توخي معاني النحو فيما بين الكلم) لأن النقاد - في نقدهم - أثبتوا صحة هذه المقولة،