للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جاءت أفكار الدلائل مرتبة على حسب ترتيب أفكار مناظرة أبي سعيد، مما يدلك على أنه كان قد وضع المناظرة بين يديه، وهو يكتب الدلائل، وأخذ في شرحها فكرة تلو الأخرى، وهذا هو السر في أنه يقول في أول الدلائل: "وليس يتأتى لي أن أعلمك من أول الأمر - في ذلك - آخره، وأن أسمى لك الفصول التي في نيتي أن حررها - بمشيئة الله عز وجل - حتى تكون علم علم بها قبل موردها عليك، فاعمل على أن ههنا فصولاً، يجيئ بعضها في إثر بعض .. " (١).

كما أن هذا هو السر - أيضاً - الذي لم يدركه كثير من البلاغيين الذين قالوا: إن أفكار الدلائل قد جاءت غير مرتبة، وأن عبد القاهر، قد خلط بين مسائل علمي المعاني، والبيان، لأنهم لم يعرفوا الفارق الزمني بين الكتابين - وهو واحد وثلاثون عاماً - وأن عبد القاهر قد تطور بأفكاره إلى أن وصلت في الدلائل قمة نضجها، وأن الدلائل قد رتب ترتيب مناظرة أبي سعيد التي جعلت النظم أساساً للبلاغة، ومن النظم تفرغت نظرية البيان (حقائق الأشباه وأشباه الحقائق) - على حد تعبير أبي سعيد السيرافي - أو (المعنى ومعنى المعنى) - على حد تعبير عبد القاهر -، لا على ترتيب المتأخرين من البلاغيين، الذين قدروا فصل البيان عن المعاني وجعلوا البلاغة علوماً ثلاثة هي المعاني والبيان والبديع، وهي في الحقيقة علم واحد هو: النظم، لأن الصور البيانية، أو البديعية، لابد فيها من أن تنظم قبل أن تكون بياناً أو بديعاً!

وليس أدل على أن (الدلائل) قد رتب ترتيب (المناظرة) من أننا قد أسلفنا لك أفكار الدلائل بإزاء أفكار المناظرة، فلم تخرج فكرة واحدة عن الفكرة التي بإزائها، وقد صغنا - فيما أسلفنا - أيضاً -


(١) الدلائل ٣٤ (السيد محمد رشيد رضا).

<<  <   >  >>