لتكون تطويراً لنظرية العوامل المائة، وبهذا: صاغ نظرية النظم على أنها: (توخي معاني النحو فيما بين الكلم) وأتمها بما وجده في (سر الفصاحة) لابن سنان الخفاجي، الذي كان متأثراً فيه بأبي هلال العسكري، وهو أن كل صناعة لابد فيها من: الموضوع، والصانع، والصورة، والآلة، والغرض، وما دام تأليف الكلام صناعة، فلابد فيه من تلك الأمور الخمسة، وذكر المقصود بكل منها، إلى أن قال:(وأما الغرض فبحسب الغرض - في نظر الناظم -، وبهذا صارت النظرية عنده هكذا: (توخى معاني النحو فيما بين الكلم، على حسب الأغراض التي يساق لها الكلام).
وقد أخذ عبد القاهر، في إقامة الأدلة والبراهين على إثبات أن النظم هو (توخي معاني النحو فيما بين الكلم) بما قرأه في وساطة القاضي الجرجاني بين المتنبي وخصومه، والصناعتين لأبي هلال العسكري، من أن النقاد قد وصفوا الكلام الذي لا يجري على قوانين النحو، بسوء النظم، وأنه ما دام الأمر كذلك، فالكلام الذي يجري على قوانين النحو يكون سليم النظم، فالنظم السليم ليس إلا أن تتوخى معاني النحو فيما بين الكلم، بل إنه استشهد على ذلك بكلام المعتزلة أنفسهم، كأبي هاشم الجبائي، وعبد الجبار، وابن سنان الخفاجي، الذي لم يفهم معنى "الاحتذاء" - في سر الفصاحة - فرد عليه عبد القاهر في سبع صفحات من آخر الدلائل، مما لم يدع لأحد مجالاً لأدنى شك، في أن عبد القاهر قد ألف "الدلائل" بعد (سر الفصاحة) الذي انتهى منه ابن سنان في الثاني من شعبان سنة ٤٥٤ هـ، وبهذا يكون "الدلائل" قد ألف بعد سنة ٤٥٤ هـ، بكل تأكيد! .