فقد جاء في حديث أبى ذر - رضى الله عنه - في سب إسلامه - أنه قال: قال لي أخي أنيس: إن لي حاجة ألي مكة، قال: فانطلق فراث، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا يقول: أن الله تعالى أرسله.
فقلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر، ساحر، كاهن، قال أبو ذر: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: تالله لقد وضعت قوله على أقراء الشعراء، فلم يلتئم على لسان أحد، ولقد سمعت الكهنة فما هو بقولهم، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون!
فالقرآن الكريم ليس شعراً - وإن كان له نظم عجيب، ونغم غريب، وليس سحراً - وإن كان يأسر القلوب، ويجذب النفوس، ويعمل فيها عمل السحر! ، فقد قال تعالى فيه:" إنه لقول رسول كريم وماهوا بقول شاعر قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون (١) ".
ولعل السر - أيضاً - في أن جعل المعتزلة الفصاحة أساساً لمعرفة إعجاز القرآن وأن مزيتها في اللفظ لا في المعنى هو أنهم وجدوا العرب يقولون في القرآن - عندما تحداهم وعجزوا - إنه سحر، وذلك لصلة الصور البيانية التي تنتسب المزية فيها عادة إلى اللفظ، وإن كان المراد بها ما تحدثه الألفاظ، من تلك الصور، كالتشبيه والتمثيل" والاستعارة" والكتابة، بالتأثير في النفوس، وما تحدثه تلك الصور من الأخذ بمجامع القلوب.
وقد ألف أبو عثمان عمرو بن الجاحظ كتاباً في (نظم القرآن) ولكنه ضاع من يد الزمن، فلم يصل إلينا، بيد أن الجاحظ قد وصفه في مقدمة كتابه (الحيوان) بأنه في الاحتياج لنظم القرآن وغريب تأليفه، وبديع تركيبه".