صفتي الفخامة والعذوبة، وهما صفتان، كأن بينها تضاد، لأن الجزالة والمتانة تعالجان نوعا من الوعورة" ولكن العذوبة ناتجة عن السهولة، فاجتماع الصفتين - مع تباينهما - في نظم القرآن، فضيلة خص بها القرآن الكريم، يسرها الله بلطيف قدرته، ليكون آية بينه لنبيه صلى الله عليه وسلم ودلالة على صحة دعوته.
ويمضي الخطابي مبينا أسرار عجز البشر عن الإتيان بمثل القرآن الكريم، والتي تتلخص فيما يلي:
١ - أن علم البشر لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية، وبألفاظها، التي هي ظروف للمعاني، وحوامل لها.
٢ - أن إفهامهم لا تدرك جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ.
٣ - أن معرفتهم لا تكمل لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلاف الألفاظ والمعاني، وارتباط بعضها ببعض، لأن الكلام يقوم على ثلاثة أمور هي:
(أ) لفظ حامل للمعاني.
(ب) معنى قائم باللفظ.
(ج) رباط لهما ناظم.
والقرآن الكريم - إذا تأملته - وجدت هذه الأمور الثلاثة - وهي اللفظ، والمعنى، وائتلافهما بالنظم - في غاية الشرف والفضيلة، فلا تجد أفصح، ولا أجزل، ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى أحسن تأليفاً، وأشد نلاؤحاً، وتشاكلا من نظمه (١).