وينتظم أسباب الاختيار أحلى وأرشق، وأحظى وأوقع؟ لأقمت السائل مقام المتعنت المتجانف، ورددته رد المستبهم الجاهل، ولكان أقصى ما في وسعك، وغاية ما عندك أن تقول: موقعه في القلب ألطف، وهو بالطبع أليق (١).
فهؤلاء القوم يشعرون بتفوق القرآن الكريم على سائر أنواع الكلام ببلاغته، ولكنهم لا يستطيعون معرفة السبب لهذا التفوق، إذ قد يخفى السبب، ولكن يظهر أثره في النفس، وقد نجد النفس عذوبة لكلام لا نجدها عند غيره، وكلاهما فصيح! والطبع السليم هو الحكم في الفصل بين الفاضل والمفضول.
ولكن الخطابي يرفض هذا الرأي - أيضاً - ويبحث عن هذا السبب، فيجدان أجناس الكلام مختلفة ومراتبها - في التبيان ميفاوتة، ودرجاتها - في البلاغة - غير متساوية.
فالكلام هنا: البليغ الرصين الجزل، والفصيح القريب السهل، والجاثر الطلق الرسل، وتلك هي أقسام الكلام الفاضل المحمود، أما الكلام الهجين المذموم، فلا يوجد في القرآن الكريم منه شيء.
فالقسم الأول: هو أعلى طبقات الكلام، وأرفعه.
والقسم الثاني هو: أوسطه وأقصده.
والقسم الثالث هو: أدناه وأقربه.
وقد نالت بلاغة القرآن الكريم من كل قسم من هذه الأقسام قدراً، وأخذت من كل نوع شعبة فانتظم بامتزاجها نمط من الكلام يجمع بين