ويمضى الخطابي في بيان رأى هؤلاء القوم فيقول:"قالوا: وقد يخفى سببه عند البحث، ويظهر أثره في النفس حتى يلتبس عن ذوى العلم والمعرفة، قالوا: وقد توجد لبعض الكلام عذوبة في السمع، وهشاشة في النفس، لا توجد مثلها لغيره منه، والكلامان فصيحان، ثم لا يوقف لشيء من ذلك على علة"(١).
وهذا الرأي النقدي هو رأي القاضي على بن عبد العزيز الجرجاني المتوفى سنة ٣٩٢ الذي حاول أن يثبت أن مزية الكلام راجعة إلى نظمه، لا إلى جزالته وقوته، ولا إلى ما فيه من تنسيق وتزويق، ولكنه لا يستطيع أن يبين لنا أسباب تلك المزية - كما بينها عبد القاهر من بعده - إذ هو لا يستطيع أن يفصح لنا عن تلك الأسباب بأكثر من أن هذا أمر تستخبر به النفوس المهذبة، وتستشهد عليه الأذهان المثقفة، بل إنه يجهر بأنك لا تستطيع أن تذكر لهذه المزية سبباً، بل ويقيم الدليل على هذا من الأمور الحسية المشاهدة، فيقول: وأنت قد ترى الصورة تستكمل شرائط الحسن، وتستوفى أوصاف الكمال وتذهب في الأنفس كل مذهب، وتقف من التمام بكل طريق، ثم تجد أخرى دونها في انتظام المحاسن والتئام الخلقة، تناصف الأجزاء، وتقابل الأقسام، وهي أحظى بالحلاوة، وأدنى إلى القبول، وأعلق بالنفس، وأسرع ممازجة للقلب ثم لا تعلم - وإن قاسيت واعتبرت ونظرت وفكرت - لهذه المزية سبباً، ولما خصت به مقتضياً ..
ولو قيل لك: كيف صارت هذه الصورة -وهي مقصورة عن الأولى في الإحكام والصفة وفي الترتيب والصنعة، وفيما يجمع أوصاف الجمال