والتمثيل، والإجمال والتفصيل، ووضع الفصل والوصل موضعهما وتوفية الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطهما -مدخل فيما له كان القرآن معجزاً، حتى يدعى أنه لم يكن معجزاً من حيث هو بليغ، ولا من حيث هو قول فصل، وكلام شريف النظم بديع التأليف، وذلك لأنه لا تعلق لشيء من هذه المعاني بتلاؤم الحروف".
ولكن الذي كان يشبه عبد القاهر -في محاولته إبراز المعنى الحقيقي المنظم، وبيان المزايا التي فاق بها نظم القرآن كل نظم - عير أنه لم يتوصل إلى ما توصل إليه عبد القاهر من أمر النظم - هو: أبو سليمان: حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي، المتوفى سنة ٣٨٥ هـ، فقد ألف رسالة في (بيان إعجاز القرآن).
وفي هذه الرسالة: يذكر أن الناس قديماً وحديثاً، قد ذهبوا - في هذا الموضوع - كل مذهب، ولكنهم لم يصدروا عن رأى، لتعذر وجه الإعجاز، ولعدم وقوفهم على الوسيلة التي تدلهم عليه.
فقد ذهب قوم إلى أن القرآن معجز بالصرفة، أي إن العرب كان في استطاعتهم الإتيان بمثل القرآن، ولكن الله تعالى صرفهم، وسلب منهم القدرة على أن يأتوا بمثله، ولكن الخطابي يرفض هذا الرأي، لأن الله تعالى لو أراد ذلك لبطلت المعجزة، إذ كيف يطلب منهم شيئاً، ووسيلته غير موجودة؟ !
وذهبت طائفة أخرى إلى أن القرآن الكريم معجز لتضمنه الإخبار عما سيحدث في المستقبل، وقد تحقق ما أخبر به، وارتضى الخطابي هذا الوجه، على أن يكون نوعاً من أنواع الإعجاز، لا على أن يكون الإعجاز كله.
وقال قوم: إن القرآن معجز ببلاغته، ولكنهم لم يستطيعوا تحديدها، ولا تصورها.