ومنه ما يكون فيه بعض الكلفة على اللسان، إلا أنه لا يبلغ أن يعاب به صاحبه، ويشهر أمره في ذلك ويحفظ عليه، وأن الكلام إذا سلم من ذلك، وصفا من شويه، وكان الفصيح المشاد به، والمشار إليه، وأن الصفاء - أيضاً - يكون على مراتب، يعلو بعضها بعضا، وأن له غاية، إذا انتهى إليها كان
الإعجاز" (١).
غير أن الباقلائي قد ذكر في مقدمة كتابه (إعجاز القرآن) أن الجاحظ لم يزد في كتابه هذا على ما قاله المتكلمون قبله، مما يبعد القول بأن الجاحظ قد أراد من النظم ما أراد عبد القاهر الجرجاني من بعده، وأنه إنما أراد به تلاؤم الألفاظ، وبعدها عما يثقل على اللسان، كالذي ذكره الرماني، وجعله وجها من وجوه البلاغة.
وهذا الرأي هو الذي أشار إليه الرماني، وجعله وجها من وجوه البلاغة، وأسماه التلاؤم، " غير أن عبد القاهر، لا يرى أن الإعجاز، في مثل هذا النوع من الفصاحة، لأنه يؤدى إلى أن لا يكون للمعاني ذكروها في حدود البلاغة، من وضوح الدلالة، وصواب الإشارة، وتصحيح الأقسام، وحسن الترتيب والنظام، والإبداع في طريق التشبيه
(١) الجاحظ حياته وآثاره ٣٢٤ والدلائل ٤٥ والموسوعات ١٣٢١ والبيان والتبيين ١/ ٤٨، ٤٩ (دار الفكر للجميع).