وربما كان أبو هلال قد أعتقد أن السيرافي إنما أضاف المعاني إلى النحو، لمجرد الرد على متى بن يونس الذي كان يرى أن (النحو) لا جدوى منه، وأن السيرافي كان يقصد المعاني فحسب.
ومما يدلك على أن أبا هلال، قد قرأ مناظرة أبي سعيد السيرافي. أنه أجاب على أسئلة وجهها أبو سعيد، إلى متى بن يونس -في المناظرة الشهيرة بينهما- ولم يجب عليها متى، فتركها أبو سعيد دون إجابة، وهذه الأسئلة هي:
(من الكلام ما هو مستقيم حسن، ومنه ما هو مستقيم محال، ومنه ما هو مستقيم قبيح، ومنه ما هو محال كذب، ومنه ما هو خطأ، فسر هذه الجملة (١)).
وقد أجاب أبو هلال على هذه الأسئلة (في الصناعتين) مطبقاً لها على المعاني التي يجب أن يتوخاها الشاعر أو الأديب قائلاً: "والمعاني -بعد ذلك- على وجوه: منها: ما هو مستقيم حسن نحو قولك، (قد رأيت زيداً) ومنها: ما هو مستقيم قبيح، نحو قولك:(قد زيداً رأيت) وإنما قبح لأنك أفسدت النظام بالتقديم والتأخير، ومنها ما هو مستقيم النظم وهو كذب، مثل قولك:(حملت الجبل) و (شربت ماء البحر) ومنها: ما هو محال، كقولك:(سآتيك أمس)، (وأتيتك غداً) وكل محال فاسد، وليس كل فاسد محالاً، ألا ترى أن قولك (قام زَيدٍ) فاسد، وليس محالاً، والمحال: مالا يجوز كونه ألبته، كقولك:(الدنيا في بيضة) وأما قولك: (حملت الجبل) وأشباهه، فكذب، وليس بمحال، إن جاز أن يزيد الله في قدرتك فتحمله.