بأن يختصر واحد بنظم دون غيره، فصارت الطرق التي عليها يقع نظم الكلام الفصيح معتادة، كما أن قدر الفصاحة معتاد، فلابد من مزية فيهما، ولذلك لا يصح عندنا - (يقصد المعتزلة في عصره) أن يكون اختصاص القرآن بطريقة في النظم دون الفصاحة، التي هي جزالة اللفظ، وحسن المعنى، ومتى قال القائل: إني وإن اعتبرت طريقة النظم، فلابد من اعتبار المزيه في الفصاحة، فقد عاد إلى ما أوردناه".
وهو بهذا يرد فكرة النظم، مشيراً إلى أن أصحابه، من المعتزلة يرفضون أن تكون أساساً في الإعجاز.
وقد شعر عبد الجبار بقصور فكرة شيخه أبي هاشم، فحاول إتمامها، مراعيا تراكيب الكلام فيها، فقال: "إعلم أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة، ولابد مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز في هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضم، وقد تكون بالإعراب الذي له مدخل فيه، وقد تكون بالموقع وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع، لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة، أو حركاتها، أو موقعها، ولابد من هذا الاعتبار في كل كلمة، ثم لابد من اعتبار مثله في الكلمات، إذا أنضم بعضها إلى بعض، لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة، وكذلك لكيفية إعرابها، وحركاتها، وموقعها، فعلى هذا الوجه الذي ذكرناه، إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها، وإن قال (قائل): قد قلتم: إن في جملة ما يدخل في الفصاحة حسن المعنى، فهلا أعتبرتموه؟ .
قيل له: إن المعاني -وإن كان لابد منها- فلا تظهر فيها المزية، ولذلك نجد المعبرين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر، والمعنى متفق، على أنا نعلم أن المعاني لا يقع فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يعتبر التزايد عنده هو "الألفاظ التي يعبر بها عنها، فإذا صحت