للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الجملة، فالذي تظهر به المزية ليس إلا الإبدال (أي الاختيار) الذي به تختص الكلمات، أو التقدم والتأخر، الذي يختص الموقع، أو الحركات التي تختص الإعراب، فبذلك تقع المباينة (بين الكلام) (١).

وأنت تشعر من هذا الكلام، أن عبد الجبار يكاد يعبر عن نظرية النظم التي وجدها عبد القاهر في معاني النحو، ولكنه وقف دونها، فلم يصل إليها!

كما أنك ترى من كلامه: أنه مازال يعطي المزية للألفاظ، لا للمعاني، مستدلا، على ذلك بأن المعاني لا تتزايد، وإنما تتزايد الألفاظ التي يعبر بها عن المعاني.

كما أنك تشعر - أيضاً - بأن المعاني التي يقصدها عبد الجبار، غير المعاني التي يقصدها عبد القاهر، فالمعاني التي يقصدها عبد الجبار هي الأغراض والمقاصد التي يعبر عنها بالألفاظ، كالكرم والشجاعة، ونحوهما، والمعاني التي يقصدها عبد القاهر هي: معاني النحو؛ وهي الخصائص والمزايا، والفروق التي تحدث بالنظم من التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والحذف، والذكر، وغيرها من المعاني التي يتوخاها الشاعر، أو الأديب على حسب الأغراض التي يقصدها.

ولما كانت الفصاحة -عند أبي هاشم- تتمثل في جزالة اللفظ، وحسن المعنى، وكانت المزية من حيز الألفاظ، لا من حيز المعاني، وجاء عبد الجبار فذكر أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة، وكان هذا المعنى الأخير، هو المقصود عند البلاغيين، فقد تأثر بهما أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجى


(١) البلاغة تطور وتاريخ ١١٦، ١١٧.

<<  <   >  >>