المتوفى سنة ٤٦٦ هـ فألف كتابه (سر الفصاحة) وفرق فيه بين الفصاحة والبلاغة، جاعلا الفصاحة للألفاظ، والبلاغة للألفاظ مع المعاني.
ولعل هذا الصنيع من ابن سنان -بالتفريق بين الفصاحة والبلاغة- هو الذي جعل عبد القاهر -في الدلائل- لا يرى مانعاً من التفريق بينهما، في مجال رده شبهة: أن يدعى أن لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي، وتعديل مزاج الحروف حتى تتلاقى في النطق حروف تثقل على اللسان ... ويزعم أن الكلام إذا سلم من ذلك وصفاً من شوبه كان الفصيح المشاد به، والمشار إليه، وأن الصفاء - أيضاً - يكون على مراتب يعلو بعضها بعضاً، وأن له غاية إذا انتهى إليها كان الإعجاز، وأن الذي يبطل هذه الشبهة -إن ذهب إليها ذاهب- أنا إن قصرنا صفة الفصاحة على كون اللفظ كذلك وجعلناه المراد بها، لزمنا أن نخرج الفصاحة من حيز البلاغة، ومن أن تكون نظيرة لها. وإذا فعلنا ذلك لم نخل من أحد أمرين: إما أن نجعله العمدة في المفاضلة بين العبارتين، وإما أن نجعله أحد ما نفاضل به، ووجها من الوجوه التي تقتضي تقديم كلام على كلام، فإن أخذنا بالأول، لزمنا أن نقصر الفضيلة عليه حتى لا يكون الإعجاز إلا به، وفي ذلك ما لا يخفى من الشناعة ... وإن أخذنا بالثاني، لم يكن لهذا الخلاف ضرر علينا، لأنه ليس بأكثر من أن نعمد إلى الفصاحة، فنخرجها من خير البلاغة والبيان، وأن تكون نظيرة لهما" (١).
وهنا يبرز سؤال، هو لماذا لا يكون ابن سنان هو الذي تأثر برأي عبد القاهر -وقد كانا متعاصرين- فأدى تردده بين فصل الفصاحة عن البلاغة وعدم فصلهما، إلى أن يبادر ابن سنان بفصلهما بعد أن قرأ ما كتبه عبد القاهر، في دلائل الإعجاز؟ .