وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن مرحلة التردد -وإن كانت في العادة تسبق مرحلة الحسم- إلا أن ثمة أموراً، ترجح ما رأيناه من تأثر عبد القاهر بما كتبه ابن سنان، نجملها فيما يلي:
أولاً: أن ابن سنان قد فرغ من كتابه (سر الفصاحة) في الثاني من شعبان سنة ٤٥٤ هـ وهو نفس التاريخ الذي انتهى فيه عبد القاهر من تأليف كتابه (المقتصد) في النحو، إذ فرغ منه في شهر رمضان سنة ٤٥٤ هـ، وهو الكتاب الذي يعد ملخصاً لشرح كتاب الإيضاح لأبي على الفارسي، والذي أسماه عبد القاهر:"المغنى" في ثلاثين جزءاً، وهذا الجهد الكبير من عبد القاهر، يقدر أن يكون قد أخذ منه ما يزيد على ثلاثين عاماً، والراجح أن عبد القاهر قد ألف الدلائل بعد هذا التاريخ، لأنه -كما يقول المحققون- قد ألفه في أخريات حياته.
ثانياً: أن ابن سنان فرق بين الفصاحة والبلاغة، بأن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبلاغة لا تكون إلا وصفاً للألفاظ مع المعاني، فلا يقال: - في كلمة واحدة لا تدل على معنى يفضل عن مثلها- بليغة، وإن قيل فيها: فصيحة، وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغاً (١)، ويفهم من قوله:"إن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ، أنه يمكنك أن تقول: "كلمة فصيحة" ولا يمكنك أن تقول "معنى فصيح" وكذلك يمكنك أن تقول "كلام فصيح" ولا يمكنك أن تقول "كلام فصيح المعنى" ولهذا فإن عبد القاهر، يرد -في الدلائل- على شبهة قد تعرض لقائل يقول: إذا كان اللفظ بمعزل على المزية التي تنازعنا فيها، وكانت مقصورة على المعنى فكيف كانت الفصاحة من صفات اللفظ البته؟ وكيف