فيها تزايد، فإذن يجب أن يكون الذي يعتبر التزايد عنده: الألفاظ التي يعبر بها عنها فإذ صحت هذه الجملة، فالذي تظهر به المزية ليس إلا الإبدال (أي لاختيار) الذي به تختص الكلمات أو التقدم والتأخر الذي يختص الموقع أو الحركات التي تختص الإعراب، فبذلك تقع المباينة (بين كلام وكلام).
فعبد الجبار -وإن كان قد تحدث عن إعجاز القرآن- فإنه لم يتحدث عن دلائل إعجازه، لأنه قصر في فهم نظرية النظم التي وردت في مناظرة أبي سعيد من وجهين:
أولهما: أنه لم يستطيع الإمساك بالخيط الأساسي المنظم وهو (معاني النحو فيما بين الكلم) لأنه لم يكن نحوياً، فلم يستطع عرض النظرية، أو شرحها أو تطبيقها.
والآخر: أنه قد أرجع مزية الكلام إلى لفظه، لا إلى معناه، لأن المعاني لا تتزايد وإنما تتزايد الألفاظ. وبهذا فإنه لم يستطع الوصول إلى دقائق النظم وأسراره وخصائصه.
ومع أن عبد الجبار قد قصر في فهم نظرية النظم، ولم يستطع الوصول إلى مرجع المزية فيه، إلا أنه قد شايعه الكثيرون ممن يشايعون المعتزلة ويؤازرونهم، ويثيرون الجدل والشغب في جرجان، ويظهرون الزهد في علم النحو، ويحقرون من شأنه، ويجهرون بأن قضيلة الكلام المفظة لا لمعناه بل ويفسرون القرآن دون أن يكون لهم شأن يذكر في فهم قواعد النحو ودقائقه، وخفاياه.
ولهذا فإن عبد القاهر الجرجاني قد أراد أن يحق الحق، ويبطل الباطل ويكشف الطريق الحقيقي عن دلائل الإعجاز، ويرد الاعتبار للأشاعرة