عند الجميع من كانت له همة في أن يستفيد علماً، أو يزداد فهماً، أو يكتسب فضلاً، أو يجعل له ذلك بحال شغلاً -فإن الإلف من طباع الكريم، وإذا كان من حق الصديق عليك- ولاسيما إذا تقادمت صحبته، وصحت صداقته- أن لا تجفوه بأن تنكبك الأيام، وتضجرك النوائب، وتحرجك محن الزمان فتتناساه جملة، وتطويه طياً، فالعلم الذي هو صديق لا يحولا عن العهد، ولا يدخل في الود، وصاحب لا يصح عليه النكث والغدر "ولا يظن به الخيانة والمكر، أولى منه بذلك وأجدر، وحقه عليك أكبر.
ثم إن التوق إلى أن تقر الأمور قرارها، وتوضع الأشياء مواضعها والنزاع إلى بيان ما يشكل وحل ما ينعقد، والكشف عما يخفى، وتلخيص الصفة حتى يزداد السامع ثقة بالحجة، واستظهاراً على الشبهة، واستبانة للدليل، وتبيناً للسبيل، شيء في سوس العقل، وفي طباع النفس إذا كانت نفساً" (١).
وهنا عكف عبد القاهر الجرجاني على مناظرة أبي سعيد السيرافي التي عقدت بينه، وبين متى بن يونس المنطقي في مجلس أبي الفتح الفضل بن جعفر ابن الفرات وزير بني بويه في سنة ٣٢٦ هـ، وأخذ في تأملها، واستنباط ما وراء أفكارها، فكرة، فكرة، ليرد على المعتزلة بكتابه:"دلائل الإعجاز":