للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتصاريفها، على أنك تنقل من السريانية، فما تقول في معان متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية، ثم من هذه إلى لغة أخرى غريبة؟ !

قال متى: يونان -وإن بادت مع لغتها- فإن الترجمة حفظت الأغراض، وأدت المعاني، وأخلصت الحقائق.

فقال أبو سعيد: إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقت وما كذبت، وقومت وما حرفت، ووزنتا وما جزفت، وأنها ما التاثت، ولا حافت ولا نقصت ولا زادت، ولا قدمت ولا أخرت، ولا أخلت بمعنى الخاص والعام، ولا بأخص الخاص، ولا بأعم العام -وإن كان هذا لا يكون وليس هو في طبائع اللغات، ولا في مقادير المعاني، فكأنك تقول: لا حجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وضعوه، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه!

قال متى: لا، ولكنهم من بين الأمم -أصحاب عناية بالحكمة، والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه، وعن كل ما يتصل به وينفصل عنه وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر، وانتشر ما انتشر، وفشا ما فشا، ونشأ ما نشأ من أنواع العلم، وأصناف الصنائع، ولم نجد هذا لغيرهم.

قال أبو سعيد: أخطأت وتعصبت، وملت مع الهوى، فإن علم العالم مبثوث في العالم بين جميع من في العالم، ولهذا قال القائل:

العلم في العالم مبثوث ... ونحوه العاقل محثوث

وكذلك الصناعات مفضوضة على جميع من على جدد الأرض، ولهذا غلب علم في مكان دون على، وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة، وهذا ما صح، والزيادة عليه مشعلة، ومع هذا: فإنما كان يصح قولك، وتسلم

<<  <   >  >>