للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان المعنى ثابتاً على الزمان؛ لأن مستملى المعنى عقلي؛ والعقل إلهي؛ ومادة اللفظ طينية، وكل طيتي متهافت. وقد بقيت أنت بلا اسم لصناعتك التي تنتحلها، وآلتك التي تزهى بها، إلا أن تستعير من العربية لها أسماً فتعار، ويسلم لك ذلك بمقدار، وإذا لم يكن لك بد من قليل هذه اللغة من أجل الترجمة، فلابد لك أيضاً من كثيرها من أجل تحقيق الترجمة، واجتلاب الثقة، والتوقى من الخلة اللاحقة.

فقال متى: يكفيني من لغتكم هذه: الاسم، والفعل، والحرف، فإني أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لي يونان.

قال أبو سعيد: أخطأت، لأنك في هذا الأسم والفعل والحرف فقير إلى رصفها، وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلاً، وكذلك أنت محتاج -بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء، والأفعال والحروف، فإن الخطأ والتحريف في الحركات، كالخطأ والفساد في المتحركات.

وهذا باب، أنت وأصحابك ورهطك عنه في غفلة، على أن هاهنا سراً ما علق بك ولا أسفر لعقلك، وهو: أن تعلم أن لغة من اللغات لا تطابق لغة أخرى من جميع جهاتها بحدود صفاتها، في أسمائها، وأفعالها، وحروفها، وتأليفها، وتقديمها، وتأخيرها، واستعارتها وتحقيقها، وتشديدها وتخفيفها، وسعتها وضيقها ونظمها ونثرها، وسجعها ووزنها وميلها، وغير ذلك مما يطول ذكره، وما أظن أحداً يدفع هذا الحكم، أو يشك في صوابه، ممن يرجع إلى مسكة من عقل، أو نصيب من إنصاف فمن أين يجب أن تثق بشيء ترجم لك على هذا الوصف؟ ! ، بل أنت إلى تعرف اللغة العربية أحوج منك إلى تعرف المعاني اليونانية، على أن المعاني

<<  <   >  >>