سمعتكم تقولون: إن "في" لا يعرف النحويون مواقعها، وإنما يقولون: هي "للوعاء"، كما يقولون:"إن الباء للإلصاق" وإن "في" تقال على وجوه: يقال: "الشيء في الإناء" و "الإناء في المكان" و "السائس في السياسة، والسياسة في السائس".
أترى أن هذا التشقيق هو من عقول يونان، ومن ناحية لغتها؟ ولا يجوز أن يعقل هذا يعقول الهند والترك والعرب؟ فهذا جهل من كل من يدعيه، وخطل من القول الذي أفاض فيه! ، النحوي إذا قال "في" الوعاء، فقد أفصح في الجملة عن المعنى الصحيح، وكنى -مع ذلك- عن الوجوه التي تظهر بالتفصيل، ومثل هذا كثير وهو كاف في موضع التكنية.
فقال ابن الفرات: أيها الشيخ الموفق، أجبه بالبيان عن مواقع "الواو" حتى تكون أشد في إفحامه، وحقق عند الجماعة ما هو عاجز عنه، ومع هذا فهو مشنع به.
فقال أبو سعيد: الواو وجوه ومواقع: منها معنى العطف في قولك: "أكرمت زيداً وعمراً".
ومنها: القسم في قولك: "والله لقد كان كذا وكذا" ومنها: الاستئناف، في قولك: خرجت وزيد قائم"، لأن الكلام بعده ابتداء وخبر، ومنها: معنى رب التي هي للتقليل، نحو قولهم: "وقائم الأعماق خاوي المخترق" ومنها: أن تكون أصلية في الاسم، كقولك: واصل وافد، وفي الفعل كذلك، كقولك: وجل يوجل، ومنها: أن تكون مقحمة، نحو قول الله عز وجل؛ "فلما أسلما وتله الجبين وناديناه" أي: ناديناه، ومثله قول الشاعر: