بالعجز وكاول، وكل ما ذكرتم في الموجودات فعليكم فيه اعتراض، هذا قولكم في (يفعل وينفعل) لم يستوضحوا فيها مراتبهما ومواقعهما، ولم تقفوا على مقاسمهما، لأنكم قنعتم بوقوع الفعل من (يفعل) وقبول الفعل من (ينفعل) ومن وراء ذلك غايات خفيت عليكم، ومعارف ذهبت عنكم، وهذا حالكم في الإضافة.
فأما البدل ووجوهه، والمعرفة وأقسامها، والفكرة ومراتبها، وغير ذلك مما يطول ذكره، فليس لكم فيه مقال ولا مجال.
وأنت إذا قلت لإنسان:(كن منطقياً) فإنما تريد: كن عقلياً أو عاقلاً أو أعقل ما تقول، لأن أصحابك يزعمون أن المنطق هو العقل، وهذا قول مدخول، لأن النطق على وجوه. أنتم عنها في سهو.
وإذا قال لك آخر:"كن نحوياً لغوياً فصيحاً" فإنما يريد: أفهم عن نفسك ما تقول، ثم رم أن يفهم عنك غيرك.
وقدر اللفظ على المعنى فلا يفضل عنه، وقدر المعنى على اللفظ فلا ينقص منه، هذا: إذا كنت في تحقيق شيء على ما هو به، فأما إذا حاولت فرش المعنى وبسط المراد، فأجل اللفظ بالروادف الموضحة، والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة، وبين المعاني بالبلاغة، أعني: لوح منها لشيء حتى لا تصاب إلا بالبحث عنها والشوق إليها، لأن المطلوب إذا ظفر به على هذا الوجه عز وجل، وكرم وعلا، واشرح منها شيئاً حتى لا يمكن أن يمترى فيه، أو يتعب في فهمه، أو يعرج عنه لاغتماضه، فهذا المذهب يكون جامعاً (لحقائق الأشباه، ولأشباه الحقائق) وهذا باب إن استقصيته خرج عن نمط ما نحن عليه في هذا المجلس، على أني لا أدري، أيؤثر فيك ما أقول أولاً؟