ثم قال: حدثنا، هل فصلتم قط بالمنطق بين مختلفين؟ أو رفعتم الخلاف بين اثنين؟ ، أتراك بقوة المنطق وبرهانه اعتقدت أن الله ثالث ثلاثة؟ ! وأن الواحد أكثر من واحد، وأن الذي هو أكثر من واحد هو واحد؟ ! وأن الشرع ما تذهب إليه والحق ما تقوله؟ هيهات! هاهنا أمور ترتفع عن دعوى أصحابك وهذيانهم، وتدق عن عقولهم وأذهانهم.
ودع هذا: هاهنا مسألة قد أوقعت خلافاً، فارفع ذلك الخلاف بمنطقك: قال قائل: (لفلان من الحائط إلى الحائط) ما الحكم فيه؟ وما قدر المشهود به لفلان؟ فقد قال ناس: له الحائطان معاً، وما بينهما، وقال آخرون له النصف من كل منهما وقال آخرون: له أحدهما، هات الآن آيتك الباهرة، ومعجزتك القاهرة، وأني لك بهما، وهذا قد بان بغير نظرك ونظر أصحابك؟ !
ودع هذا أيضاً: قال قائل: (من الكلام ما هو مستقيم حسن، ومنه ما هو مستقيم محال، ومنه ما هو مستقيم قبيح، ومنه ما هو محال كذب، ومنه ما هو خطأ) فسره هذه الجملة، واعترض عليه عالم آخر، فاحكم أنت بين هذا القائل والمعترض وأرنا قوة صناعتك التي تميز بها بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، فإن قلت: كيف أحكم بين اثنين أحدهما قد سمعت مقالته، والآخر لم أحصل اعتراضه؟ قبل لك: استخرج بنظرك الاعتراض إن كان ما قاله محتملاً له، ثم أوضح الحق منهما، لأن الأصل مسموع لك، حاصل عندك، وما يصح به أو يرد عليه يجب أن يظهر منك، فلا تتعاسر علينا، فإن هذا لا يخفى على أحد من الجماعة.
فقد بان الآن أن مركب اللفظ لا يحوز مبسوط العقل، والمعاني معقولة، ولها اتصال شديد وبساطة تامة، وليس في قوة اللفظ من أي