٢ - وإذا كان المنطق يبحث عن الأغراض المعقولة، والمعاني المدركة، فإنها لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء، والأفعال، والحروف، فلا بد من معرفة اللغة، فأنت لو فرغت بالك، وصرفت عنايتك إلى معرفة هذه اللغة التي تجاورنا بها، وتجارينا فيها، وتدارس أصحابك بمفهوم أهلها، وتشرح كتب يونان بعامة أصحابها، لعلمت أنك غني عن معاني يونان، كما أنك غني عن لغة يونان.
٣ - إذا كنت محتاجاً، إلى قليل هذه اللغة من أجل الترجمة، فلا بد لك - أيضاً - من كثيرها. لتحقيق الترجمة والوثوق منها، والوقاية من الخلل الذي يمكن أن يلحق بها.
٤ - وإذا كنت محتاجاً من اللغة العربية إلى الاسم والفعل والحرف فأنت محتاج إلى رصفها، وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها، وأنت محتاج - بعد هذا - إلى حركات هذه الأسماء، والأفعال، والحروف، لأن الخطأ في الحركات، كالخطأ في المتحركات، كما أنك محتاج إلى معرفة مواقع الحروف حقيقية كانت أو مجازية.
٥ - معرفة المعاني ليست قاصرة على علم المنطق، بل أنها - أيضاً تعرف بعلم النحو، و (معاني النحو) منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته، وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين الكلام بالتقديم والتأخير، وتوخي الصواب في ذلك، وتجنب الخطأ من ذلك، وهذه المعاني تعرف من خلال معرفة النظم، وإنما دخل العجب على المنطقيين، لظنهم أن المعاني لا تعرف إلا بطريقتهم، فترجموا لغة هم فيها ضعفاء "وجعلوا تلك الترجمة صناعة وادعوا على النحويين أنهم مع اللفظ لا مع المعنى.
٦ - فنظم الكلام اسم واقع على أشياء قد ائتلفت بمراتب، وهو