التركماني فقال:(حاصله أنه اختلف على الثوري فيه فرواه عنه الفريابي مرسلًا، ورواه عنه الزبيري والذماري متصلًا، واثنان أولى من واحد، كيف وقد تابعهما أبو داود الحفري فرواه عن سفيان موصولًا، كذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه، فظهر بهذا أن رواية من رواه عن الثوري موصولًا أولى من رواية من رواه عنه مرسلًا، واختلف أيضًا على معمر فيه، فرواه عنه عبد الرزاق وعبد الأعلى مرسلًا على أن عبد الرزاق رواه أيضًا عنه موصولًا كما رأيت في نسخة جيدة من نسخ المصنف له، ورواه عن معمر ابنُ طهمان والعطار موصولًا، وتأيدت روايتهما بالرواية المذكورة عن عبد الرزاق وبما رجح من رواية الثوري، فظهر أن رواية من رواه عن معمر موصولًا أولى، ومعمر أحفظ من علي بن المبارك فروايته عن يحيى موصولًا أولى من رواية ابن المبارك عنه مرسلًا، وبالجملة فمن وصل حفظ وزاد فلا يكون من قصر حجة عليه، وقد أخرج البزار هذا الحديث وقال: ليس في هذا الباب حديث أجل إسنادًا منه) الخ.
ما قال ابن التركماني وهو الحق الذي لا يشك فيه منصف، إلَّا أنهم إذا رأوا حديثًا معارضًا لما هو أرجح منه في نظرهم حاولوا تضعيف المرجوح بما لا يكاد يوافق أصلًا من الأصول، بل ولا قولًا من الأقوال، واعتمدوا في طعنهم على مجرد الرأي والاستحسان، وأشد الناس في ذلك المقلدة عند نصرة مذهبهم، وفي مقدمتهم ابن التركماني نفسه فهو إنما صرح بالحق وتمشى مع الأصول والقواعد لكون الحديث موافقًا لمذهبه وإلا لرأيت منه العجب العجاب من التحريف والروغان واللف والدوران، وأيا ما كان فالحق في هذا الحديث أنه صحيح، وخلاف هذا لا يسمع من المتفوه به كائنًا من كان، وبعد هذا فليفزع إلى الجمع والترجيح بينه وبين النص المبيح السابق.