كان الأمر كذلك فالاحتياط أن لا يحتج بما يخالف فيه الثقات وهذا الحديث من جملتها).
قلت: كل هذا لا يفت في عضد الحق فإن الحفاظ إذا رأوا حديثًا معارضًا لما عندهم، ولم يدركوا وجه الجمع بين الحديثين، أنكروا ما لم يعرفوا وحكموا على راويه بالوهم بدون حجة، وقلد لاحقهم سابقهم في ذلك، ثقة به واعتمادًا على قوله، دون نظر فيه، ولا تحقيق لدعواه، وذلك مما جعل اتفاقاتهم معدومة الفائدة، فالحديث صحيح إسنادًا، ولا معارضة بينه وبين الحديث الذي احتجوا به على ضعفه كما سأبينه، وذلك أن حماد بن سلمة إمام حافظ ثقة، لو وهم مثل هذا الوهم ونقل قصة وقعت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبلال، والآمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن عمر بن الخطاب لمسروح، والآمر له عمر، لسقط إلى درجة الضعفاء المتروكين الذين لا يحتج بهم، أو الوضاعين الذين يقصدون قلب الحقائق، وتغيير الأوضاع الشرعية، وهذا مما لا يقوله أحد، بل ولا يظن حتى لمن هو دونه في الضبط والعدالة؛ لأن كل من له حظ من الوعي والعدالة، لا يغلط مثل هذا الغلط الفاحش، ولا يهم في مثل هذا الأمر الواضح؛ إذ بون كبير بين حديث نافع في قصة عمر مع مسروح وبين حديثه عن ابن عمر في قصة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بلال، لاسيما والحديث مروي بشعر قاله بلال في القصة التي وقعت له، مما يدفع الوهم ويوجب التأكد من أنه صاحب القصة، فكيف وحماد لم ينفرد بالحديث بل توبع عليه متابعة تامة، عن أيوب، ومتابعة قاصرة عن نافع، ووردت القصة مع ذلك من حديث أنس، ومراسيل الحسن، وقتادة وحميد بن هلال، وورد عن بلال نفسه ما يؤيدها، فالحكم على حماد بالوهم فيه مكابرة، ظاهرة.
فقد رواه أيضًا سعيد بن زربي عن أيوب، كما ذكره الدارقطني،