للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فإنه يكون في الأواني، وهذا المعنى موجود في الجاري، فإن حفظه من النجاسة أصعب من حفظ الدائم الكثير.
ومن قال بالثاني، وأن الأصل الطهارة حتى تظهر النجاسة، كان التطهير على قوله أوكد، فإن القليل الدائم نجسٌ؛ لأنه قد يحمل الخبث، كما نبّه عليه الحديث. وأما الجاري فإنه بقوة جريانه يحيل الخبث فلا يحمله، كما لا يحمله الكثير.
وإذا كان كذلك؛ فهذه المياه الجارية في حمام إذا خالطها بول أو قيء أو غيرهما، كانت نجاسة قد خالطت ماءً جاريًا فلا ينجس إلا بالتغير، والكلام فيما لم تظهر فيه النجاسة.
وإن قيل: إن ماء الحمام يخالطه السدر والخطمي والتراب، وغير ذلك مما يغسل به الرأس، والأشنان والصابون والحناء، وغير ذلك من الطاهرات التي تختلط به، حتى لا تظهر فيه النجاسة.
قيل: إذا جاز أن تكون النجاسة ظاهرة فيه، وجاز أن لا تكون ظاهرة، فالأصل عدم ظهورها، وإذا كان قد علم أنه تخالطه الطاهرات، ورأيناه متغيرًا، أحلنا التغير على مخالطة الطاهرات، إذ الحكم الحادث يضاف إلى السبب المعلوم، لا إلى المقدر المظنون. بل قد ثبت النص بذلك فيما أصله الحظر، كالصيد إذا جرح وغاب؛ فإنه ثبت بالنص إباحته، وإن جاز أن يكون قد زهق بسبب آخر أصابه، فزهوقه إلى السبب المعلوم، وهو جرح الصائد أو كلبه، وإن كان في المسألة أقوال متعددة، فهذا هو الصواب الذي ثبت بالنصّ الصحيح الصريح.
الأصل الثالث: أن نقول: هب أن الماء تنجس، فإنه صار نجاسة على الأرض، والنجاسة إذا كانت على الأرض بولًا كانت أو غير بول، فإنه يطهر بصبّ الماء عليها، إذا لم تبق عينها، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد، حيث قال: "لا تزرموه"، أي: لا تقطعوا عليه بوله. "فصبوا على بوله ذنوبًا من ماء".
وقال: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".
ولهذا قال أصحاب أحمد وغيره: إن نجاسة الأرض والبرك والحياض المبنية ونحو ذلك، مما لا ينقل ويحول، يخالف النجاسة على المنقول من الأبدان=

<<  <   >  >>