للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وجعله لله تعالى خالصًا، وكسب العبد مملوك له وله في كسب المكاتب حق الملك فبقاء حقه يمنع جعله لله تعالى خالصًا، وهذا بخلاف ما لو تبين أن المدفوع إليه عبد الغني أو مكاتب له فإنه يجزئه، وفي حق المكاتب مع العلم أيضًا ولا ينظر إلى حال المولى لأنّ إخراجه من ملكه وبقاء حقه يمنعه أن يصير لله تعالى خالصا فلهذا لا يسقط به الواجب، والأصل في فريضة التوجه إلى الكعبة للصلاة قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة يصلّي إلى بيت المقدس ويجعل البيت بينه وبين بيت المقدس، وكان يحب أن تكون الكعبة قبلته كما كانت قبلة إبراهيم - صلوات الله عليه - فسأل جبريل - عليه السلام - أن يسأل الله له في ذلك، وكان يديم النظر إلى السَّماء رجاء أن يأتيه جبريل - عليه السلام - بذلك فانزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية، ثمّ لا خلاف في حق من هو بمكة أن عليه التوجه إلى عين الكعبة، فأمَّا من كان خارجًا من مكّة فقد كان أبو عبد الله الجرجاني يقول: الواجب عليه التوجه إلى عين الكعبة أيضًا لظاهر الآية؛ ولأن وجوب ذلك لإظهار تعظيم البقعة فلا يختلف بالقرب منه والبعد. وغيره من مشايخنا - رحمهم الله تعالى - يقول الواجب في حق من هو خارج عن مكّة التوجه إلى الجهة؛ لأنّ ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ومعرفة الجهة إمّا بدليل يدلُّ عليه أو بالتحري عند انقطاع الأدلة، فمن الدّليل المحاريب المنصوبة في كلّ موضع لأنّ ذلك كان باتِّفاق من الصّحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم فإن الصّحابة - رضي الله عنهم - فتحوا العراق وجعلوا القبلة ما بين المشرق والمغرب ثمّ فتحوا خراسان وجعلوا قبلة أهلها ما بين المغربين مغرب الشتاء ومغرب الصيف، فكانوا يصلون إليها ولما ماتوا جعلت قبورهم إليها أيضًا من غير نكير منكر من أحد منهم، وكفى بإجماعهم حجة وقد كانت عنايتهم في أمر الدين أظهر من عناية من كان بعدهم فيلزمنا اتباعهم في ذلك.
ومن الدّليل السؤال في كلّ موضع ممّن هو من أهل ذلك الموضع لأنّ أهل كلّ موضع أعرف بقبلتهم من غيرهم عادة، وقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]. ومن الدّليل النجوم أيضًا على ما حُكِيَ عن عبد الله بْن =

<<  <   >  >>