= نبيه - صلى الله عليه وسلم - الاغترار بظاهر حال الإنسان، وأمرنا بالاقتداء به. فقال: واتبعوه. وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] فغير جائز إذا كان الأمر على ما وصفنا: الركون إلى ظاهر أمر الإنسان دون التثبت في شهادته، والبحث عن أمره حتى إذا غلب في ظنه عدالته قبلها، وقد وصف الله تعالى الشهود المقبولين بصفتين: إحداهما: العدالة في قوله تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ١٠٦] وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] والأخرى: أن يكونوا مرضيين لقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] والمرضيون: لا بد أن تكون من صفتهم: العدالة. وقد يكون عدلًا غير مرضيِّ في الشهادة، وهو: أن يكون غمرًا مغفلاً يجوز عليه التزوير والتمويه. فقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] قد انتظم الأمرين من العدالة والتيقظ وذكاء الفهم، وشدة الحفظ، وقد أطلق الله ذكر الشهادة في الزنا غير مقيد بذكر العدالة وهي من شرطها العدالة والرضى جميعًا. وذلك لقوله - عز وجل -: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] وذلك عموم في إيجاب التثبت في سائر أخبار الفساق. والشهادة خبرٌ، فوجب التثبت فيها إذا كان الشاهد فاسقًا، فلما نص الله على التثبت في خبر الفاسق وأوجب علينا قبول شهادة العدول المرضيين وكان الفسق قد يعلم من جهة اليقين والعدالة لا تعلم من جهة اليقين دون ظاهر الحال، علمنا: أنها مبنية على غالب الظن وما يظهر من صلاح الشاهد وصدق لهجته وأمانته. وهذا وإن كان مبنيًا على أكثر الظن فهو ضربٌ من العلم. كما قال تعالى في المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] وهذا هو علم الظاهر دون الحقيقة، فكذلك الحكم بعدالة الشاهد. طريقه: العلم الظاهر دون المغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله تعالى. وهذا أصلٌ كبير في الدلالة على صحة القول باجتهاد الرأي في أحكام الحوادث إذ كانت الشهادات من معالم أمور الدين والدنيا وقد عقد بها مصالح الخلق في وثائقهم وإثبات حقوقهم وأملاكهم وإثبات الأنساب والدماء والفروج وهي مبنية على غالب الظن وأكثر الرأي إذ لا يمكن أحدًا من الناس إمضاء حكمِ بشهادة شهودٍ من طريق حقيقة العلم بصحة المشهود به وهو يدل على بطلان القول بإمامٍ معصومٍ في كل زمانٍ واحتجاج من يحتج فيه بأن أمور الدين كلها ينبغي أن تكون مبنية على ما يوجب العلم الحقيقي دون غالب الظن.=