للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه اشتباه الدَّليل لا حقيقة الخلاف.

ألا ترى أنَّ القاضي إذا قضى بإبطال طلاق المكره نفذ؛ لأنَّه مجتهدٌ فيه، لأنَّه موضع اشتباه الدَّليل إذ اعتبار (١) الطَّلاق بسائر تصرُّفاته ينفي حكمه، وكذا لو قضى في حدٍّ أو قصاصٍ بشهادة رجلٍ وامرأتين، ثم رفع بعد ذلك إلى قاضٍ آخر يرى خلف ذلك ينفِّذه، وليس طريق القضاء الأوَّل كونه في مختلفٍ فيه، لأنه لا اختلاف فيه، وإنَّما طريقه أنَّ القضاء الأوَّل حصل في موضع اشتباه الدَّليل؛ لأَنَّ المرأة من أهل الشَّهادة، بظاهر (٢) قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢]، [يدكُ على] جواز شهادتهنَّ مع الرِّجال مطلقاً، وإنْ وردت في المداينة؛ لأنَّ العبرة لعموم اللَّفظ، ولم يرد نصُّ قاطع في إبطال شهادة النِّساء في هذه الصُّورة؛ ولو قضى بجواز نكاحٍ بلا شهودٍ نفذ؛ لأنَّ المسألة مختلفٌ فيها، فمالكٌ وعثمان البتِّيُّ (٣) يشترطان الإعلان لا الشُّهود، وقد اعتبر خلافهما؛ لأنَّ الموضع موضع اشتباه الدَّليل، إذ اعتبار النكاح بسائر التَّصرُّفات يقتضي أن لا تشترط (٤) الشَّهادة. انتهى.

قلت: حاصل هذا: أن سبب كون المحل مجتهداً فيه اشتباه الدليل القائم فيه، لا مجرد الاختلاف؛ لأنه يكون مجتهداً فيه مع الاختلاف وعدمه. فلما ثبت مع عدمه دلّ على أنّه ليس نفس السبب وهو ظاهرٌ وليس فيه ما يدل على ما قررنا به معنى قولهم. والمعتبر: الاختلاف في الصّدر الأوّل، ولا على


(١) في المخطوط: (اعتبر). والمثبت من فتح القدير.
(٢) في فتح القدير: (إذ ظاهر).
(٣) تحرف في المخطوط إلى: (التيمي).
(٤) في المخطوط: (يشترط).

<<  <   >  >>