فمالي صدقة. فلما سكت عنهما الغضب ذهبا إلى سفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن أبي شبرمة، فلم يجدوا عندهم مخرجًا، فرجعا إلى أبي حنيفة مرعوبين فسألاه. فقال للمرأة. اسأليه الطلاق، فسألته، فقال للزوج: قل: أنت طالقٌ إن شئتِ. فقال لها: أنت طالق إن شئتِ. فقال للمرأة: قولي: لا أشاء. فقالت: لا أشاءُ. قال أبو حنيفة: اذهبا فقد بررتما.
واتفقت كلمة أصحابنا في أصولهم: أنّ المعلّق بالشّرط لا ينعقد سببًا قبل وجود الشرط، فإن كان الزوج قد بَرّ في يمينه، فكيف ولم ينعقد المعلّق سببًا.
وإن كان المعلّق لا ينعقد سببًا، فكيف بر.
قلت: الجوابُ: إنّ قوله: أنت طالقٌ إن شئتِ تمليكٌ لا تعليقٌ.
قال في الذخيرة: تعليق الزوج طلاقَ المرأة بصفة من صفات قلب غيره، تفويض تمليك معنى، فيقتصر على المجلس، وعلى هذا اتفق كلام الأصحاب. والله أعلمُ.
ولما شاع هذا الجواب استبعد البِرّ بعض إخواني لخفاء وجهه عليه. فقلت: الوجه للبر أنّ الحالفَ إنما انعقد يمينه على الإيقاع لا الوقوع، وقد أوقع وإن أوصل به شيئًا آخرَ.
ألا ترى إلى ما قال أبو يوسف، عن أبي حنيفة قال: قلت: أرأيتَ أنّ رجلًا طلّقَ امرأته ثلاثًا أو واحدة يقول لها: أنتِ طالقٌ. هل في ذلك حيلةٌ حتى لا يقع عليها الطّلاق، وترجع إليه. فتكون على حالها؟ قال: نعم. قلت: فما الحيلة في ذلك؟. قال: إذا قال أنت طالقٌ ثلاثًا أو واحدةً فقال: إن شاء الله تعالى. فوصل يمينه بالاستثناء. برّ.