إنّي لم أقف على اعتبار هذا الشّرط في شيءٍ من كتب علمائنا، وليس للمفتي في زماننا إلّا نقل ما صحّ عن أهل مذهبه الذين يفتي بقولهم. ولأنّ المستفتي إنما يسأل عمّا ذهب إليه أئمّة ذلك المذهب، لا عمّا يخيل للمفتي. واللهُ أعلمُ.
ثم بلغني: أنّ محيي الدين الكافيَجي وقفَ على جوابي، وقال: شرط الواقف كنصّ الشّارع، يجبُ العملُ به وإن لم يكن منصوصًا عليه.
فأجبتُ: بأنّ هذا يقتضي خلافَ ما اجتمعت عليه الأمّة من أنّ من شروط الواقفين ما هو صحيحٌ معتبرٌ يُعملُ بهِ.
ومنها: ما ليس كذلك. وخلاف ما نصّ الفقهاء عليه من معنى هذا الكلام.
فقال في كتاب الوقف لأبي عبد الله الدمشقي، عن شيخه شيخ الإسلام قول الفقهاء نصوصه كنصوص الشّارع - يعني: في الفهم والدّلالة في وجوب العمل - مع أنّ التحقيق: أنّ لفظه ولفظ الموصي والحالف والنّاذر، وكلّ عاقدٍ يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلّم عليها، وافقت لغة العرب، ولغة الشّارع أوْ لا، ولا خلافَ أن من وقفَ على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهادٍ غير شرير ونحوه لم يصحّ. والله أعلم.
قلت: وإذا كان المعنى كما ذكر فما كان من عبارة الواقف من قبيل المفسر لا يحتمل تخصيصًا، ولا تأويلًا يُعملُ به.
وما كان من قبيل الظّاهر كذلك، وما احتمل، وفيه قرينة، حُمِلَ عليها.
وما كان مشتركًا لا يُعملُ به؛ لأنَّه لا عموم له عندنا، ولم يقع في نظر