للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يستنبط من أقوال الفقهاء في المسألة ومما مضى من الأدلة ما يلي:

١ - اتفاق الفقهاء على أن الأصل عدم جواز الاستعانة بالكفار، ومن أجاز منهم ذلك فقد قصره على الحاجة أو الضرورة وحدد له شروطًا وجعله في أضيق النطاق، قال ابن حزم رحمه اللَّه: "فإن علم المسلم واحدا كان أو جماعة أن من استنصر به من أهل الحرب أو الذمة يؤذون مسلمًا أو ذميًا فيما لا يحل، فحرام عليه أن يستعين بهما وإن هلك، لكن يصبر لأمر اللَّه تعالى، وإن تلفت نفسه وأهله وماله، أو يقاتل حتى يموت شهيدًا كريمًا، فالموت لا بد منه ولا يتعدى أحدٌ أجله، برهان هذا أنه لا يحل لأحد أن يدفع ظلما عن نفسه بظلم يوصله إلى غيره، هذا ما لا خلاف فيه" (١).

٢ - التفريق بين مشاركة أهل الذمة وآحاد المشركين في القتال وبين مشاركة الدول الكافرة؛ لكون أهل الذمة من مواطني الدولة الإسلامية، ولذا شرط الفقهاء للجواز غلبة حكم الإسلام، وهذا قد يتأتى في الآحاد وأهل الذمة، إلا أنه يصعب تحققه في حال الاستعانة بالدول الكافرة حتى وإن كانت معاهدة لاطلاعهم على أسرار المسلمين ومعرفة مواطن ضعفهم وقوتهم، كما أن اشتراكهم مع المسلمين سيحول الجهاد إلى حرب شرسة خالية من المعاني السامية للجهاد وأهدافه وآدابه وضوابطه (٢)، وقد تنسب جرائمهم للمسلمين فيفقد الجهاد الهدف المراد منه وهو الدعوة للإسلام.

٣ - أن أدلة المانعين صحيحة وصريحة، وأما أدلة المجيزين فليست صريحة بل إن حديث المصالحة مع الروم قد يحمل على أنه تحالف عسكري، وهو خبر، بل قد تضمن الإخبار بغدرهم بعد التحالف، ونصه: "ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول


(١) المحلى، ١١/ ١١٣.
(٢) انظر: التعامل مع غير المسلمين، ص ٣٥٩.

<<  <   >  >>