أشدّ من إهانةِ البهائم، وفي هذا الوقت - نفسه - يخرج أقوام يحثُّون الناسَ على التَّمَسُّكِ بالسُّنَّة، ويغرقون فيها: علماً، وتعلماً، ودعوةً، وكأنها هي قضيَّة المسلمين الكبرى!! أَفلا ينصرف هؤلاء إلى العَمَلِ الذي ينتجُ عنه نفعٌ كبير للمسلمين، كالتخطيط لإقامة الخلافة الإسلامية، والنظر في أحوال المسلمين، وما يحتاجون إليه من غذاءٍ وعطاء، ونفقة وبناء ... إلخ.
والجواب عن هذه الشبهة:
«إن ما ذكرتموه من اضطهاد المسلمين، وضعفهم، وتآمر أعدائهم ... الخ، كلُّ هذا حقٌّ، ولكنكم أُتيتُم من خلطكمْ بين الأمور، فكلامكم قد يكون حقاً إذا سَلّمنَا لكم أن التَّمسك بالفرعيَّات يتعارض مع مواجهة تآمر الأعداء وجهادهم؛ والحقُّ أنه لا يلزم التعارض بينهما، إذ أن بيان الحق في الأمور الفرعيَّة لا يتعارض مع جهاد الأعداء، إذا كان الهدفُ هو - حقاً - بيان الحقّ، مع البعد عن الجدل العقيم.
وقد واجه الرعيل الأول أخطاراً تهدِّد كيانهم، ولم يحملهم ذلك على تركِ الفرعياتِ، وتقرير الحقِّ فيها، وإلزام أنفسهم باللازمِ منها، ومع ذلك سادوا الأمم، وأسقطوا عروشَ الكفرة، وأقاموا صرح الإيمان شامخاً؛ والذي يفتُّ في عَضُدِ المسلمين هو: من يجادِلُ في الحقِّ بعدما تبيَّن، ويُصِرُّ على عدم الانقياد له، ويثير الجدال بشبهاتٍ سقيمة؛ ليس من يدعوهم إلى التمسُّك بالكتاب والسنَّة.
وما يتوهمُهُ هؤلاءِ المخالفون ما هو إلا نتيجة لتخيُّلهِمْ أنّ النّسْبَة بين «مواجهة الأعداء والانتصارِ عليهم» وبين «تَعَلُّمِ المسائل الفرعيَّة