وهذا التخصيص إنما لَجَأَ إليه: توفيقاً بين النصوصِ الآمرة بالتمسك بالسنن، والحاثَّةِ على العمل بها، وبين هذا النصّ القاضي ظاهُره: بأن لأفرادِ الأمةِ أن يعقدوا العزم على ترك السنن مطلقاً إذا حافظوا على الفرائض، وهذا - والله أعلم - يتنافى مع حث الشارع على السنن، وترغيبه فيها ... فوجب حمله على الخصوصية.
أما ما ذكره ابن حزم عن سعيد بن جبير أنه سئل عن من لم يوتر حتى أصبح؟ قال: سيوتر يوماً آخر.
فيحمل على من تركه المداومة على الترك، أو على أنه لا يرى قضاء الوتر، ثم إنه معارضٌ بإنكار عمر على عثمان ترك سنَّة التكبير إلى الجمعة وهي دون الوتر، فكيف به؟
وأما ما ذكره عن سعيد بن المسيب: أنه سأله رجل عن الوتر؟ فقال سعيد: أوتر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تركت فليس عليك، وصلى الضحى، وإن تركت فليس عليك ...
فهذا فيه نفيٌ للوجوب، ولا خلاف فيه عندنا؛ وإنما الكلام في مقام الإنكار واللوم على من داوم على ترك السنن.
وأما قول ابن حزم - بعد إيرادِ قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو:«يا عبد الله لا تكن مثل فلانٍ كان يقوم من الليل فترك قيام الليل»، وقوله عليه السلام لحفصة عن أخيها عبد الله بن عمر - رضي الله عن جميعهم -: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» -: إنَّ هذه الأوامر كلها ندبٌ، لا يجوز غير ذلك». اهـ.