للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني: اليهود والنصارى، يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة، (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بحلاهم ونعوتهم، لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم. وهذا استشهادٌ لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوّته.

ثم قال: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من المشركين ومن أهل الكتاب الجاحدين (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) به، ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وهذا استشهاد لأهل مكة)، أي: هذا الكلام استشهاد لأجل أهل مكة.

ووزان هذا مع ما قبله وزان قوله تعالى: {ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ ومَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ {[الرعد: ٤٣]. قال: " {كَفَى بِاللَّّهِ شَهِيدًا {، لما أظهر من الأدلة على رسالتي، {ومَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ {من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا".

ولكن هذا خاص ابتداءً، وما نحن بصدده عام مخصص بقوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ {. وبيانه: أنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أولً بأن يقول للكافرين: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا القُرْآنُ {إثباتاً لنبوته، بكونه تعالى أظهر هذا الكلام المعجز دلالةً عليها، ثم ثنى بقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ {[البقرة: ١٤٦] تقريراً وتوكيداً، ثم قدر للمشركين أن يقولوا: إن أكثر أهل الكتابين لا يشهدون بذلك، فيجابوا بقوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم {: من المشركين ومن أهل الكتاب"، يعني كما أن الكفار عرفوه حق معرفته، بالمعجزات القاهرة، أنه رسول من الله، صادق فيما جاء به، ثم كابروا وعاندوا، كذلك أكثر أهل الكتابين: عرفوه بحليته ونعته الثابت في الكتابين، فهم فيه سواء. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>