فإن قلت: كيف يصحّ أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور، وعلى أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلت: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشاً؛ ألا تراهم يقولون:(رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ)[المؤمنون: ١٠٧]، وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، وقالوا:(يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)[الزخرف: ٧٧]، وقد علموا أنه لا يقضى عليهم.
وأجيب: أن "من" إنما يؤنث ويذكر باعتبار مدلوله، وإبهامه، وشيوعه، كالمشترك. وأما لفظه فليس إلا مذكراً.
روى المصنف عن سيبويه:"إنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن "الشيء" يقع على ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى! والشيء مذكر وهو أعم العام".
قوله: (وقرئ: "ربنا" بالنصب): حمزة والكسائي.
قوله:(أي: يفترون إلهيته وشفاعته). خص هذا التقدير، لأن قولهم: {واللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {جواب عن قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ {، أي: أين آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله، وزعمتم أنهم يشفعون لكم؟ حتى يخلصوكم الآن مما أنتم فيه من ورطات الهلاك. و {مَّا {في {ومَا كَانُوا يَفْتَرُونَ {موصولة، فحذف المضاف أولاً، فصار:"يفترونه"، ثم حذف الضمير الراجع.