وأما قول من يقول: معناه: ما كنا مشركين عند أنفسنا، وما علمنا أنا على خطأٍ في معتقدنا، وحملُ قوله:(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) يعني: في الدنيا، فتمحل وتعسف وتحريفٌ لأفصح الكلام إلى ما هو عيّ وإقحام؛ لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ولا منطبقٍ عليه، وهو نابٍ عنه أشدّ النبوّ، .........
قوله:(وأما قول من يقول: معناه: ما كنا مشركين) إلى آخره: إشارة على خلاف. قال الإمام:"للناس فيه قولان، الأول: قول أبي علي الجبائي والقاضي: أن أهل المحشر لا يجوز إقدامهم على الكذب، لأنهم يعرفون الله بالاضطرار، فيلجؤون إلى ترك القبيح، وأقبح القبائح القول بالكذب، وأتمه الحلف عليه. فإذا يحمل قوله تعالى: {واللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {على: ما كنا في اعتقادنا وظنونا مشركين، لأنهم كانوا معتقدين أنهم كانوا موحدين. ويحمل قوله: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ {[الأنعام: ٢٤] في الدنيا في أمورٍ كانوا يخبرون عنها، كقولهم: إنهم على صواب، وإن ما هم عليه ليس بشرك، والكذب يصح عليهم في الدنيا.
والثاني قول الجمهور: إن الكذب عليهم في الآخرة جائز، بل واقع. واستدلوا بآيات كثيرة.
وأما حمل هذه الآية على أن المراد: ما كنا مشركين في ظنوننا واعتقادنا، فمخالفة للظاهر، وقوله: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ {على أنهم كذبوا في الدنيا، يوجب تفكك النظم، وصرف أول الآية إلى أحوال القيامة، وآخرها إلى أحوال الدنيا".
وهو المراد من قول المصنف:"وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عي وإفحام".