يُضيقَ عليه بالحبس من قوله تعالى:(اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) بالرعد: ٢٦] أي: يُضيقُ، وقال أيضاً: لن يقدر عليه، أي لن يقضي عليه بالعقوبة، قاله مجاهدٌ والضحاكُ والكلبيُّ، وفي روايةٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما، يقال: قدر الله الشيء تقديراً، وقدر يقدرُ قدراً بمعنى واحد، قال تعالى:(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ)[الواقعة: ٦٠]، وفي قراءة مَن خففها دليلٌ على هذا، وعليه قراءةُ عُمر بن عبد العزيز والزُّهري:"لن نُقدرَ" بالتشديد. قال الزجاجُ: أي: ظن أن لن نُقدرَ عليه ما قدرنا من كونه في بطن الحُوت، و"نَقِدرُ" بمعنى: نُقَدِّر. جاء في التفسير، ورُوي عن المصنف أنه قال: تفسيرُ ابن عباس بمعنى القدرة معناه: أن لا نُورد عليه تقديراً يضُرُّه لكونه مُبتلى به، يقول: قدر الله عليه الضراء، وقدر له السراء، كقولك: قضى القاضي على فلانٍ وحكم عليه، وإذا جُعل من القُدرة فسبيله سبيلُ الاستعارة، أي: فعلَ فعْلَ من ظنَّ أنلن نقدر عليه، والاستعارةُ تكونُ في الأسماء والأفعال والحروف، ونظيره سبع الرجل: إذا ذمه، وحقيقته فعل به فعل السبع بالمسبوع من قولهم: شاةٌ مسبوعة.
وقلتُ: مرجعُ كلامه أنه من الاستعارة التبعية التي وقعت على سبيل الاستعارة التمثيلية، يدل عليه قوله:"فكانت حالُه ممثلةً بحال من يظُنُّ أن لن نقدر عليه"، فاستعير الفعلُ هاهنا كما استعير "لعل" في قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: ٢١] كما قررهُ صاحبُ "المفتاح".
وقال صاحبُ "الفرائد": لما أمكن حملُه على الحقيقة، وهو أنه من القدر لقوله تعالى:(فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)[الفجر: ١٦] أي: ضيق، فأيُّ ضرورةٍ في أن يُحملَ على ما ذكر من المجاز، وأما الوهمُ الذي ذكر فمردودٌ من أوجهٍ، أحدها: أن مثل هذا الخاطر والظن من المؤمن بعيدٌ، فكيف من النبي المعصوم؟ لأن ذلك كُفرٌ، وقوله تعالى:(وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)