للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبتقدير الله عليه عقوبة. وعن ابن عباس: أنه دخل على معاوية فقال: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك. قال: وما هي يا معاوية، فقرأ هذه الآية وقال: أو يظن نبىّ الله أن لا يقدر عليه؟ قال: هذا من القدر لا من القدرة. والمخفف يصح أن يفسر بالقدرة، على معنى: أن لن نعمل فيه قدرتنا، وأن يكون من باب التمثيل، بمعنى: فكانت حاله ممثلة بحال من ظنّ أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه، من غير انتظار لأمر الله. ويجوز أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان، ثم يردعه ويرده بالبرهان، كما يفعل المؤمن المحقق بنزغات الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت. ومنه قوله تعالى (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)] الأحزاب: ١٠ [والخطاب للمؤمنين (فِي الظُّلُماتِ) أى في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت، كقوله (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) [البقرة: ١٧]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[الأحزاب: ١٠] ليس من الظن الذي يكونُ كفراً. وثانيها: أن ما هجس بالخاطر ولم يستقر ولم يُلتفت إليه لم يكن من باب الظن. وثالثها: مثل هذا الخاطر لم يكن أحدٌ معاتباً به. ورابعها: لما كان هذا الظن حاملاً له على الخروج من بين القوم من الغضب عُلِمَ أنه لم يكن مما ظهر بالوسوسة ولم يُلتفت إليه، ولم يكن مُخلاً بالاعتقاد.

والجوابُ: أن قوله: "والمخففُ يصحُّ أن يُفسر بالقدرة"، بعدما ذكرها بين القوم من الوجوه، تنبيهٌ على التوسع في الكلام، وأن هذا وجهٌ يصار إليه لمن له يدٌ في البيان، لا أنه واجبٌ، وأما بقيةُ السؤال فجوابه سبق في خاتمة سورة يوسف عليه السلام.

قوله: (أي: في الكلمة الشديدة المتكاثفة)، وذلك أنه حُبس في بطن حوتٍ واحد، والجمعُ يدل على التكاثف، وأنشد السيرافي:

وليلٍ يقولُ الناسُ في ظُلماته … سواءٌ صحيحات العيون وعورها

<<  <  ج: ص:  >  >>