للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء: ١٠٧].

أرسل صلى الله عليه وسلم (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه. ومن خالف ولم يتبع. فإنما أتى من عند نفسه حيث ضيع نصيبه منها. ومثاله: أن يفجر الله عينا غديقة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ومن خالف ولم يتبع)، جوابُ سؤال، أي: كيف قال: (رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) "والعالمين" - كما تقرر- عامٌّ في جميع المخلوقات، ونرى كثيراً ممن خالفه محرومين من تلك الرحمة؟ فقال: ومن خالف ولم يتبع فإنما أُتي من عند نفسه؟

قوله: (ومثالهُ: أن يُفجر الله تعالى عيناً غديقةً)، وقلتُ: ومثاله في مذهبنا: ما رويناه عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيثٍ أصاب أرضاً، فكانت منها طائفةٌ طيبةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفةً منها أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسكُ ماءً ولا تنبتُ كلأ، فذلك مثلُ من فقه في دين الله عز وجل ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثلُ من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". أخرجه البخاري ومسلم.

"الأجادبُ" بالجيم والدال المهملة: قال الخطابي: هي الأرضُ التي تُمسكُ الماء فلا يسرعُ فيه النضوب. روى الشيخ الإمام محيي الدين النواوي في "شرح صحيح مسلم"، عن بعضهم: إنما هي أخاذاتٌ، بالخاء والذال المعجمتين، جمعُ إخاذة، وهي الغديرُ. شبه العلم والهدى بسبب الرحمة المهداة صلاوتُ الله وسلامه عليه بالغيث، كما شبه الغيث بالرحمة في قوله: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف: ٥٧]،

<<  <  ج: ص:  >  >>