للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكما أن الغيث يحيي البلد الميت بأصناف العشب والكلأ وغيره، كذلك الهدى والعلمُ يحييان القلب الميت، وإنما أوثر الغيث على سائر أسماء المطر ليؤذن بشدة اضطرار الخلقِ إليه حينئذٍ، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ) [الشورى: ٢٨]، وفي حديث الاستسقاء: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً"، أخرجه أبو داود.

وقال التوربشتيُّ: وقد كان الناس قبل المبعثِ وهم على فترة من الرسل قد امتحنوا بموت القلب، ونُضوبِ العلم، حتى أصابهم الله تعالى برحمةٍ من عنده، فأفاض عليهم سجال الوحي السماوي، فأشبهت حالهم حال من توالت عليهم السنون، وأخلفتهم المخايل حتى تداركهم الله بلطفه وأرخت عليهم السماء عزاليها، ثم كان حظُّ كل فريق من تلك الرحمة على ما ذكره من الأمثلة والنظائر.

وقلتُ: وقد يتوهم أن الشطر الأول من التمثيل مشتملٌ على تمثيلين مستقلين وليس بذلك، ولكنه تمثيلٌ واحدٌ مركبٌ من أمرين: وذلك أن "أصاب طائفة منها" عطفٌ على "أصاب أرضاً"، ثم قُسمت الأرضُ الأولى بحرف التعقيب في قوله: "فكانت"، وعُطفَ كان على كانت قسمين، فيلزم اشتمال الأرض الأولى على الطائفة الطيبة وعلى الأجادب، ولأن أصل التمثيل مُركبٌ من أمرين، من الهدى والعلم لتغايرهما في الاعتبار، كما ورد: "من ازداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بُعدا"، ويعضده مراعاةُ معنى التقابل بين القرينتين من إثبات إنبات الكلأ وإمساك الماء في أحداهما، ونفيهما في الأخرى على سبيلا لحصر، ثم تعقبهما بالفذلكة المقررة للتفصيل المذكور المنصوص فيها المثلان المشيران إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>