الأرضين لرفع ما عسى أن يتوهم متوهمٌ أزيد منهما، وذلك قوله:"فذلك مثلُ من فقه في دين الله تعالى" إلى آخره.
وكذا يؤيده ما ذكره شارحُ "الصحيح"، وهو: أما قوله: "ورعوا" فهو بالراء من الرعي، هكذا هو في جميع نسخ "مسلم"، ووقع في "البخاري": "وزرعوا"، وكلاهما صحيحٌ. انتهى كلامه؛ لأنه -على الأول- في الكلام لفٌّ ونشر، فإن "رعوا" مناسبٌ لقوله: "أنبتت الكلأ والعشب الكثير"، وقوله:"فشربوا وسقوا"، مناسبٌ لقوله:"أجادب" فيكونُ الضميرُ في نفع الله تعالى بها لقوله أرضاً، ومعنى قوله:"كلاهما صحيحٌ": أن "زرعوا" متعلقٌ بالأول لا بالأجادب، فإنها لا تكفي الشرب والسقي فضلاً عن الزرع، فعلى هذا قد ذُكر في الحديث الطرفان: العالي في الاهتداء، والغالي في الضلال، فعبر عمن قبل هدى الله والعلم بقوله:"من فقه في دين الله"، إلى آخره، وكنى عمن قبل هدى الله والعلم بقوله:"من فقه في دين الله" إلى آخره، وكنى عمن أبى قبولهما بقوله:"لم يرفع بذلك رأساً"، وبقوله:(لم يقبل هدى الله)، وترك الوسط، وهما قسمان، أحدهما: العامل الذي انتفع بالعلم في نفسه فحسبُ، والثاني: الذي لم ينتفع هو بنفسه ولكن نفع الغير.
ثم تأمل أيها الناظر في الفاءات الست تعجب من حسن مواقعها، فالأولى: تفصيلية، قسمت إحدى الأرضين قسمين، والثانية: سببية؛ لأن القبول سببُ النتيجة، والثالثة: جمعت القسمين في معنى النفع، والرابعة: أتبعت كل واحدٍ منهما بما يناسبه، والخامسة: عكس الأولى حيث عقبت التفصيل بالإجمال؛ لأنها ردت الأقسام الثلاثة إلى التمثيلين. والسادسة: سببيةٌ، أي: فعلم الحق ولم، آذنت بأن الفقيه هو الوارث يجب عليه تكميل الناقصين بعد كماله، ما قال تعالى:(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ)[التوبة: ١٢٢]، وفي الحديث إشعارٌ بأن الاستعدادات ليست مكتسبةً، لا كما عليه ظاهرُ كلام المصنف، بل هي مواهبُ ربانية، يختص بها من يشاء، وكمالها أن يفيض الله عز وجل عليها من المشكاة