للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو لقصر الشيء على حكم، كقولك: إنما زيد قائم، وإنما يقوم زيد. وقد اجتمع المثالان في هذه الآية، لأن (إِنَّما يُوحى إِلَيَّ) مع فاعله، بمنزلة: إنما يقوم زيد. و (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بمنزلة: إنما زيد قائم. وفائدة اجتماعهما: الدلالة على أن الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار الله بالوحدانية: وفي قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أو لقصر الشيء على حُكم)، مثاله: إنما يقوم زيدٌ، وهو فرعُ قولك: ما يقوم إلا زيدٌ، وهو من تخصيص الصفة بالموصوف، أي: صفةُ القيام لا تتعدى عن زيد.

قوله: (وفائدةُ اجتماعهما [الدلالة على] أن الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصورٌ على استئثار الله بالوحدانية)، قال صاحب "التقريب": وفيه نظرٌ؛ لأداء الحصر إلى مُشكل، وهو أنه لا يُوحي إليه إلا الوحدانية دون غيرها من التكاليف؛ ولأنه لم يذكر الحصر إلا في إنما المكسورة، ولعل المراد أن المقصود الأعظم من الوحي هو الوحدانية، وإنما ألحق بها المفتوحة، إما لأنها بمعنى المكسورة؛ لأن ٠ يُوحَى) بمعنى القول، أو لاطراد دليل حصر المكسورة على ما قيل فيها أيضاً.

وقلتُ: أما مزيدُ تقرير الجواب فهو أن الكلام الذي يفيد الحصر لا يؤتى لإفادة العموم غالباً، بل قد يؤتى لرد المنكر فيما وقع النزاع فيه. وهنا الكلام السابق في الرد على المشركين كما قال تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)، وكذا اللاحق: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ)، على أن سائر التكاليف متفرعٌ على أصل التوحيد، مقررٌ له، لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) [البينة: ٥]، ألا ترى كيف ذم في قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) [المسد: ١] شانئ سيد الموحدين وشتم من يشيكُ الشوكة في طريقه؟ ولهذا عقب بهذه السورة سورة التوحيد، والسورتان على وزان (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر: ١] (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر) [الكوثر: ٣]، وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: ٢] تعليلٌ لهما، وأمرٌ بالقيام بشكرهما، قُدم قبل تمام الكلام لشدة الاهتمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>