وأرقاء الدين؛ ليرتابُوا في صحة الدين القويم، وحضرةُ الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية، والله أعلم.
وأما المعقولُ فكثيرةٌ، منها: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان ولبطل قوله: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة: ٦٧]، فإن الزيادة في الوحي كالنقصان فيه، وقولُ من قال: إنه صلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على إيمان قومه أدخل هذه الكلمة من نفسه ثُم رجع عنها: مردودٌ لا يرغبُ فيه مسلمٌ، لما يلزمُ من الخيانة في الوحي، والعياذُ بالله تعالى منها. ومن قال: إنه سهوٌ وسبقٌ للسان، أيضاً كذلك، لزوال الوثوق، ولأن الساهي لا يقعُ منه مثلُ هذه الألفاظ المسموعة المطابقةٍ لألفاظ السورة. وقول القائل: إنه تكلمَ الشيطانُ بذلك، أيضاً مردودٌ؛ لاحتمال أمثاله في سائر كلامه، ولقوله تعالى:(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[النحل: ٩٩]. وإذا بطل هذا فنقول: التمني جاء على وجهين، أحدهما: تمني القلب، قال أبو مسلم: التمني: التقديرُ، وتمني: تفعل، من: منيتُ، ومني لك: قدر لك. وثانيهما: القراءة، قال تعالى:(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ)[البقرة: ٧٨]، ولأن الأمي لا يعلمُ القرآن من المصحف، وإنما يعلمه قراءةً، قال حسان:
تمنى كتاب الله أول ليلةٍ … وآخرها لاقى حمام المقادر
وهذا أيضاً فيه معنى التقدير، فإن التالي مقدرٌ للحروف يذكرها شيئاً فشيئاً. وإذا قُلنا: إن التمني بمعنى القراءة، فمعنى الآية: قرأ ما يجوز أن يسهو الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ويشتبه القارئ، دون ما رواه، وهذا هو الظاهر، لقوله:(لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)، وإذا قُلنا: إنه بمعنى تمني القلبِ، فالمرادُ: إذا أراد فعلاً تقرباً إلى الله تعالى ألقى