للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته ولم يشايعوه على ما جاء به: تمنى لفرط ضجره من إعراضهم ولحرصه وتهالكه على إسلامهم أن لا ينزل عليه ما ينفرهم، لعله يتخذ ذلك طريقا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيهم وعنادهم، فاستمرّ به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة «والنجم»] النجم: ١ [وهو في نادى قومه، وذلك التمني في نفسه، فأخذ يقرؤها فلما بلغ قوله (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)] النجم: ٢٠ [: (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) التي تمناها، أى: وسوس إليه بما شيعها به، فسبق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيطانُ في فكره ما يخالفه فيرجعُ إلى الله تعالى في ذلك فيرفعُ اللهُ تعالى ذلك الغلط وتلك الوسوسة عن القلب، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف: ٢٠١]، وقال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) [الأعراف: ٢٠٠]، وقال تعالى: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ) [البقرة: ٢١٤]، وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ) [يوسف: ١١٠]. وروى صاحب "المطلع" عن جمهور مشايخه ما يقرب من هذه الكلمات كلها إلى آخرها.

وقال السجاوندي: كل نبي يتمنى إيمان قومه فيُلقي الشيطانُ في أمنيته بما يوسوس إلى النبي بالخطرات المزعجة عند تباطؤ القوم عن الإيمان، أو تأخر نصر الله، وإن ثبت تلك الغرانيق العُلى، منها الشفاعةُ ترتجى، على أنه خرج مخرج الكلام على زعمهم، أو على الإنكار.

قوله: (بما شيعها به)، أي: بالذي شيع الشيطان الأمنية به، أي: أتبعها به. يقال: حياكم الله وأشاعكم السلام، أي: جعله صاحباً وتابعاً، والباءُ: باء الآلة. الراغب: التمني تقدير شيء في النفس، وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن تخمين وظن لا عن رؤية وبناء على أصل، لكن لما كان أكثره عن تخمين وظن صار الكذبُ له أملك، فأكثر التمني تصورُ ما لا حقيقة له، قال تعالى: (أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى) [النجم: ٢٤]، والأمنيةُ: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء. ولما كان الكذبُ: تصور ما لا حقيقة له وإيراده باللفظ، صار

<<  <  ج: ص:  >  >>