غيرُ مرادٍ من الآية، بل المرادُ أن يكون إصباحُ الأرض مخضرةً بإنزال الماء، فيكون حصول اخضرار الأرض تابعاً للإنزال.
وقلتُ: وينصره قول أبي البقاء: إنما رُفع-أي:(فَتُصْبِحُ) وإن كان قبله لفظُ الاستفهام لأمرين، أحدهما: أنه استفهامٌ بمعنى الخبر، أي: قد رأيت، فلا يكون له جوابٌ، والثاني: أن ما بعد الفاء ينتصب إذا كان المستفهم عنه سبباً له، ورؤيته لإنزال الماء لا توجبُ اخضرار الأرض، إنما يجب عن الماء.
وروى الزجاج عن سيبويه القراءة بالرفع لا غير، قال: سألت الخليل عن هذا فقال: هذا واجبٌ، ومعناه التنبيه، كأنه قال: ألم تسمعْ إنزالَ الماءِ من السماء ماءً، فكان كذا وكذا.
وقلتُ: فعلى هذا يمكن توجيه النصب بأن يقال: إن إيثار المستقبل في (فَتُصْبِحُ) لاستحضار تلك الحالة البديعة، وهي حياة الأرض الدالة على القدرة الباهرة، قال الله تعالى:(فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)[الحج: ٥]، وقال تعالى:(وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)[ق: ٧ - ٨]، كأنه قيل: تنبه لإنزالنا الماء لتتعجب منه على هذه الحالة البديعة والقدرة الباهرة، فيكون لك تبصرة وذكرى للإنابة والخضوع، وأن الله يبعث من في القبور، ومن ثم ذُيل بقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)، وجيء بقوله تعالى:(وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) تتميماً لإرادة الإنابة، فيكون (فَتُصْبِحُ) بمعنى: تتعجبُ من إصباحها.