للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنّ تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الاى الواردة في أمر النسائك، فعطفت على أخواتها. وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا.

[(وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ)].

أي: وإن أبوا للجاجهم إلا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع، فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به. وهذا وعيد وإنذار، ولكن برفق ولين.

[(اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)].

(اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) خطاب من الله للمؤمنين والكافرين، أى: يفصل بينكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصلاةُ والسلامُ تركُ المنازعة مع الجهال وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى النزاع، وملازمةُ الدعوة إلى التوحيد، أو: لكل أمةٍ من الأمم الخالية المعاندة جعلنا طريقاً ودينا هم ناسكوه، فلا يُنازعنك هؤلاء المجادلةُ، سمى دأبهم نُسكاً لإيجابهم ذلك على أنفسهم واستمرارهم عليه، تهكماً بهم، ومسلاةً لرسول الله صلى الله لعيه وسلم مما كان يلقى منهم.

وأما اتصاله بما سبق من الآيات، فإن قوله تعالى: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) يُوجب القلع عن إنذار القوم، والإياس منهم ومتاركتهم، والآيات المتخللةُ كالتأكيد لمعنى التسلية، فجيء بقوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ) تحريضاً له صلوات الله عليه على التأسي بالأنبياء السابقة في مُتاركة القوم، والإمساك عن مجادلتهم بعد اليأس من إيمانهم، وينصره قوله تعالى: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، فالربط على طريقة الاستئناف، وهو أقوى من الربط اللفظي، والذي يدور عليه قطبُ هذه السورة الكريمة الكلام في مجادلة القوم ومعاندتهم، والنعي عليهم بشدة شكيمتهم. ألا ترى كيف افتتحها بقوله: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ) وكررها وجعلها أصلاً للمعنى المهتم به، وكلما شرع في أمر كرَّ إليه تثبيتاً لقلبِ الرسول صلات الله عليه، ومسلاةً لصدره، فلا يقالُ إذن: "وأما هذه فواقعةٌ مع أباعد عن معناها".

<<  <  ج: ص:  >  >>