مثل؛ لأنهم جعلوا مضربها مثلاً لموردها، ثُم استعاروا هذا المستعار للقصةِ أو الحالةِ المستغربة لتماثلهما في الغرابة.
وقال القاضي: أو جُعل لله مثلٌ، أي: مثلٌ في استحقاق العبادة فاستمعوا له استماع تدبرٍ وتفكر. وقال صاحب "التيسير": جُعل لي مثلٌ، أي: شبهٌ، أي: جعل الكفارُ فاسمعوا حال ما شبهوه لي، لتقفوا على جهلهم.
وقال صاحب "الفرائد": المثلُ في الاصطلاح: شبيهٌ سائر، أي: كثيرٌ استعماله، والمراد من ذكره أن ما نحن له بمنزلة ما قيل فيه هذا القول، فإن صح ما ذكره صاحب "التيسير" وجب حملُ المثل على الحقيقة لا على المجاز.
وقلتُ: في جعل (ضُرِبَ) بمعنى: جُعِل هذا له، عدولٌ عن الظاهر، وخرمٌ للنظم الفائق؛ فإن قوله تعالى:(ضُرِبَ مَثَلٌ) مُجملٌ بُيِّنَ بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وقوله: (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) تقريرٌ لما يُراد من الإبهام والتبيين، من توخى التفطن لما يُتلى بعد المجمل، وتطلب إلقاء الذهن، ويؤيده تصدرُ الآية بقوله:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، وتذييل المثل بقوله تعالى:(مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)، وتعليله بقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). ولعمري، إن هذا التذييل يُنادي على من يدعي معرفة الله تعالى بمقياس عقله بالضلال البعيد، ويتلُو عليه:(فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: ٣١].