للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم، كأنه قال: محال أن يخلقوا.

فإن قلت: ما محل (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)؟ قلت: النصب على الحال، كأنه قال: مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه، وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش واستركاك عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه حيث وصفوا بالإلهية - التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها - صورا وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه وأذله وأصغره وأحقره، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا.

وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم: أن هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا.

وقوله (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف. ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف، لأن الذباب حيوان، وهو جماد، وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدلالة على أن خلقَ الذباب منهم مستحيلٌ منافٍ لأحوالهم). قال صاحب "الفرائد": النفيُ المؤكدُ لا يدل على الامتناع لأنه لا يستلزمه، فيكون لازماً، واللازم لا يدل على الملزوم، ولكن يحتمله، ولما كان محتملاً له حُمل عليه لقرينة سوق الكلام؛ لأنه إن أمكن ذلك منهم لا يحصلُ الاستبعادُ المطلوبُ والمبالغةُ في تجهيلهم، واستركاك عقولهم؛ لأنهم مع اجتماعهم وتعاونهم لا يقدرون على أقلِّ ما خلقه الله تعالى وأذله وأحقره، وأدل من ذلك على عجزهم، وانتفاء قُدرتهم، أن هذا الحقير الذليل لو اختطف منهم شيئاً لم يقدروا على استخلاصه ولو اجتمعوا له.

وقلتُ: ها هوا لحق، إلا أن مقصود المصنف من إثبات الاستحالة تقريرُ مذهبه ومُدعاهُ في قوله تعالى: (لَنْ تَرَانِي) [الأعراف: ١٤٣]، وقد استشهد بهذه الآية على مطلوبه في ذلك المقام.

قوله: (وجدت الطالب أضعف)، أي: التماثيلُ أضعفُ من الذباب، وإنما قيل لها:

<<  <  ج: ص:  >  >>