للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: لم نهاه عن الدعاء لهم بالنجاة؟ قلت: لما تضمنته الآية من كونهم ظالمين، وإيجاب الحكمة أن يغرقوا لا محالة، لما عرف من المصلحة في إغراقهم، والمفسدة في استبقائهم، وبعد أن أملى لهم الدهر المتطاول فلم يزيدوا إلا ضلالا، ولزمتهم الحجة البالغة لم يبق إلا أن يجعلوه عبرة للمعتبرين. ولقد بالغ في ذلك حيث أتبع النهى عنه، الأمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم، كقوله عز وجل (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)] الأنعام: ٤٥ [، ثم أمره أن يدعوه بدعاء هو أهم وأنفع له، وهو طلب أن ينزله في السفينة أو في الأرض عند خروجه منها، منزلا يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين، وأن يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته، وهو قوله (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). فإن قلت: هلا قيل: فقولوا، لقوله (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) لأنه في معنى: فإذا استويتم؟ قلت: لأنه نبيهم وإمامهم، فكان قوله قولهم، مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية، وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبىّ. وقرئ: (منزلا)، بمعنى إنزالا، أو موضع إنزال، كقوله: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه)] الحج: ٥٩ [. "إِنَّ" هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بين النافية وبينها في المعنى، وإن الشأن والقصة كُنَّا َمُبْتَلِينَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"وددت أني سلمتُ من الخلافة كفافاً، لا علي ولا لي". الكفافُ: هو الذي يفضلُ عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة. والنصبُ على أنه حالٌ، وقيل: أراد به مكفوفاً عني شرُها.

قوله: (وأن رُتبة تلك المخاطبة)، عطفٌ على سبيل البيان على قوله: "بفضل النبوة".

قوله: (وقرئ: (مُنْزَلاً) أبو بكرٍ: "منزلاً" بفتح الميم وكسر الزاي، والباقون: بضم الميم وفتح الزاي.

<<  <  ج: ص:  >  >>