للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واو: (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) [الأعراف: ٦٦]،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: ((قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ))، هو في سورة الأعراف [٦٦]. وقوله: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ) في سورة هود [٥٣]، وفي نسخةٍ قالوا: (مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا) [هود: ٢٧]. وخلاصةُ الجواب: أن المقصود بيانُ الفرق بين القولين، ولا يتفاوتُ ذلك أية آيةٍ سلكت، وذلك بأن القطع لبعث السامع على موضع السؤال، فإذا أُجيب بما أجابوه يحصلُ عنده الفرق بين الكلامين من الحق والباطل، وعليه العطفُ، ولهذا قال: "وشتان ما هما"، وذلك أن السامع البليغ إذا سمع الكلامين المتصلين بالواو، لابد أن يتحرى للجهة الجامعة، فهاهنا يعلمُ أن الجهة هي التضاد، قالوا: جواب المصنف لا طائل تحته؛ لأن بين كلام هود عليه السلام وأجوبة القوم في هذه المواضع اختلافاً كثيراً، وكان الجواب أن يسأل عن كل ذلك فما بال الواو؟ وأيضاً، عليه أن يجيب عن سؤاله بموقع الواو هنا وإخلائه هناك، لا عن الخاصية، فإنها معلومةٌ عند علماء البيان.

قلتُ: يمكن أن يقال: إن هوداً مكث بين القوم أزمنةً متطاولة، وله معهم مقالات، ومجادلات في مقامات شتى، وذلك يوجب اختلاف العبارات، فإن لكل قوم مقالاً، فكان كلامه في سورة هود أبسط من هذين الموضعين؛ لأنه قد أهر فيه النصيحة التامة، وضم مع الأمر بالعبادة الأمر بالاستغفار والتوبة، وعدهم بذلك البركات والخيرات، وكان ذلك مظنة لبعث السامع وتحركه على السؤال، فما كان جواب القوم عنه بعد تلك النصيحة البالغة. أما في الأعراف وإن لم يبسط ذلك البسط، لكن ذكر فيه اسم هود بعد التوطئة بقوله: (أَخَاهُمْ)، فدل على إضمار النصح، بل أهم وأبلغث من ذلك؛ فإن الأخوة مئنةق لكل حدب ومرحمة، ألا ترى كيف من الله تعالى على قريش بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: ١٢٨]، بخلافه هاهنا، بل طوى اسمه أيضاً، والقوم ما التفتوا إليه، وإلى كلامه، وما أجابوا، بل كانت تلك المقالة دمدمةً فيما بينهم. والله تعالى أعلمُ بأسرار كلامه.

وقال القاضي: لعله ذكره بالواو؛ لأن كلامهم لم يتصل بكلام الرسول، بخلاف قول قوم نوح، وحيث استؤنف به فعلى تقدير سؤال.

<<  <  ج: ص:  >  >>